باكستان.. خطأ فادح أم استهداف مقصود ؟
لم يستطع الرئيس الباكستاني الجنرال مشرف المحافظة على ثوابت الزعامة الباكستانية المتعارف عليها منذ عقود مضت والمتمثلة في البرنامج النووي أولا ثم قضية كشمير ثم المؤسسة العسكرية وتطبيق الشريعة الإسلامية وهي ثوابت حافظ عليها زعماء باكستان منذ أن أسسها محمد علي جناح وحتى مشرف مروراً بالعسكريين والمدنيين من الزعماء،
فالمعروف أن الجنرال القوي برويز مشرف والذي قاد انقلابا عسكريا ضد نواز شريف بدأ يتهاوى منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها فقد اغضب أولا الشارع الباكستاني عموما والجماعة الإسلامية القوية على وجه الخصوص عندما فتح أراضيه للأمريكان في حربهم ضد طالبان وخسر تأييدهم له ليزيد بعد ذلك حقدهم عليه عندما هاجم مناطق القبائل وخاض معهم حربا هي الأولى في تاريخ الجيش الباكستاني بحجة البحث عن فلول القاعدة وطالبان ثم بعد ذلك عندما حاكم العالم النووي الباكستاني وأوقفه عن العمل والزمه الإقامة الجبرية في منزله وهو الذي يحظى بمنزلة عالية في باكستان والملقب بأبي القنبلة النووية، ويقول المهتمون بالشؤون الباكستانية أن هذا العمل اثر على شعبية مشرف حتى داخل المؤسسة العسكرية فقد تهاون في قضية كشمير وقدم تنازلات بشأنها جعلت العشرات من القادة العسكريين يوجهون انتقادات واستقالات كانت الأولى من نوعها فالجنرال القوي بدأ بالتنازل والتهاون بالثوابت الباكستانية اعتقادا منه أن هذه الخطوات تقربه من واشنطن ولندن وتجعل له الحظوة عندهم ، واستمر مسلسل التنازل حتى وقعت الطامة الكبرى قبل أيام عندما قام الجيش الباكستاني تسانده وحدات من الأمن بمحاصرة المسجد الأحمر وبداخله المئات من المصلين في سابقة هي الأولى من نوعها في دولة يغلب عليها الطابع الإسلامي ورغم أن اغلب المراقبين والمحللين اعتقدوا أن الأمر سينتهي باستسلام المحاصرين وهم قلة داخل المسجد تقول باكستان أنهم مسلحون اندسوا وسط المصلين إلا أن الوقائع اتجهت عكس ذلك فقد انتهى الأمر بمأساة اجتماعية ومجزرة راح ضحيتها العشرات من المصلين المحاصرين لتبدأ بعدها قصة التداعيات الشهيرة بباكستان من عمليات ثأر وانتقام وردود الأفعال على كافة المستويات فدخلت باكستان منذ أيام قليلة فقط في دائرة العنف والعنف المضاد ووجد مشرف نفسه فجأة قد فقد الشارع الباكستاني بما فيه أحزاب وجمعيات إسلامية وغير إسلامية، فالجماعة الإسلامية وهي صاحبة النفوذ القوي تعتبره عدواً يريد استئصالها وكذلك مدارس تحفيظ القرآن والمدارس الحقانية وغيرها إضافة إلى شريحة واسعة من السياسيين والمثقفين والذين يعتبرونه مسئولا عن التهاون بشأن الملف النووي الباكستاني وخاصة في ظل الحديث عن تنامي قوة الهند النووية وخطوات إيران الحثيثة لهذا وغير ذلك من الأمور الأخرى إضافة إلى هذا وذاك فأن الكشميريين يرونه الآن متساهلاً بشأن قضيتهم ولم يعد كالسابق ، وبمعنى آخر فإنه تنازل عن جميع الثوابت الرئيسية لباكستان واغضب منه الشارع العام الباكستاني مع شريحة كبيرة من قادة الجيش والجنرالات بسبب ما ذكرناه سابقاً ثم ناصب الجماعات الإسلامية العداء على اختلاف اتجاهاتهم وفرقهم ، إضافة إلى القبائل في مناطق البشتو ووزير ستان ومناطق الحدود مع أفغانستان ومع الهجوم الأخير على المسجد الأحمر وما سبق ذلك من إغلاق المدارس الدينية وطرد الأجانب الدارسين فيها فقد وضع مشرف السيناريو الأخير للأحداث التي ستجري داخل بلاده وهو ما شاهدناه وسمعناه مؤخراً من عمليات انتحارية ضد الجيش ونقاط التفتيش والمباني الحكومية في مختلف المدن الباكستانية ومن هنا جاء التساؤل على لسان المراقبين والمهتمين بالشؤون الباكستانية وهو هل ما حدث مؤخراً وما سبق وذكرناه كان خطأ فادح ارتكبه الجنرال ومن حوله أم انه استهداف مقصود للنيل من الجنرال نفسه ومن امن واستقرار باكستان خاصة وان هذه الدولة تلعب دورا هاماً وحيويا في استقرار المنطقة والتي تعرف دائما بالمنطقة البركانية سياسياً وعسكريا.